المأكولات الشعبية اللمدانية بين التنوع و الثراء العصبان... البلبول... و أيام زمان !!

إن التنوع الثقافي أدى إلى تنوع و إثراء الأطباق المحلية التي أصبحت تمتاز بالثراء و التنوع و الخصوصية الإجتماعية و على الرغم من تشابه التنظيم الإجتماعي بالمدية إلا أن هناك أيضاً أوجه اختلاف عديدة نتيجة أسباب متباينة في طريقة تحضير نفس الطبق .

كما أن الواقع الجغرافي لمنطقة المدية كمنطقة جبلية فلاحية تكثر فيها حقول القمح و الشعير و زراعة الكروم و الخضر .إلى جانب تربية المواشي من بقر و دواجن وغيرها بالإضافة إلى مناخها البارد شتاء .

كان له تأثيره الكبير على تنوع المأكولات الشعبية التي يعتمد عليها سكان المنطقة وكان لبرودة الطقس بالمنطقة دور كبير في بروز العديد من ألأكلات الشعبية التي يواجه بها السكان تلك البرودة التي تمتد إلى عدت شهور بالمنطقة مما أدى بهم للجوء إلى ما يسمى باللـغة العامة " العــولة " و هو الإدخــار لفصل الشتاء حيث تلجأ العائلات في فصل الصيف إلى إدخار كميات هامة من مشتقات الحبوب الكسكس و الطعام كما يطلق عليه سكان المدية و المحمصة و البرغل و الدشيشة و البركوكس و غيرها...أما من اللحوم فيلجأ لما يسمى " بالخليع " و هو تجفيف اللحم بعد تلميحه و لو أن هذه الظاهرة قد بدأت تزول . أما من الخضر و الفواكه فحدث و لا حرج من المصبرات من :" الطماطم " و "الفلفل" و " الزيتون " و كل أنواع المربى من الفواكه التي يتم جنيها في فصلي الربيع و الصيف .

و من الأطباق المألوفة لدى سكان المنطقة " شطيطحة بالمخ " بوزلوف " و " تشيشة مرمز" " بطاطا بالخليع " و " بطاطا بالفليو " و " التبيخة "...و غيرها.

فإن " العصبان "هو الذي يتوج المائدة اللمدانية بدون منازع ويحضر بطريقة خاصة، يستهلك في فصل الشتاء بكثرة وفي جميع فصول السنة و يحضر في المناسبات العائلية في حفلات الزفاف حيث يطهى ليلة الحنة للعريس و أصحابه و يستغرق تحضيره وقتاً و مجهوداً كبيراً و في عيد الأضحى المبارك و يعتبر الطبق المفضل لدى العائلة اللمدانية على الإطلاق .

و هناك قصة طريفة حول تحضير العصبان حيث أن أحد الضيوف شك في أن ربة البيت ليست من سكان المدية عندما لاحظ أن حبة العصبان صغيرة و لكن بطريقة لبقة سأل صاحب الدار: كم تضعون من ميت في القبر، فقال صاحب الدار نضع فيه واحد أو أثنين أو ثلاثة خاصة إذا كان الميت صغير الحجم" و ضحك الجميع .

و المغزى من هذه النادرة أن صاحبة الدار التي حضرت هذا الطبق لم تحسن صنعه لأن " العصبان " يتم تحضيره بحجم حبة البرتقال التي كلما كان الحجم كبيراً كلما أوفى بالغرض لكن ربة البيت لم تكن من المدية و لهذا صغرت حجم حبة العصبان إلى درجة جعلت الكل ينتقدها .وفي بعض المناطق كالأرياف تحضر ب" الدوارة " بطريقة مختلفة و تعرف باسم "البكبوكة " لأنه يقطع على شكل قطع صغيرة.

أما طبق " البلبول " فهو أيضا يعتبر من الأطباق الخاصة بمنطقة المدية و هو يحضر من الخبز اليابس حيث يهرس ثم يفتل بنفس طريقة الكسكس و يضاف إليه الزعتر و عند التقديم يمزج بالسكر .وهو من الأطباق التي يقبل عليها أهل الحضر بكثرة و يرجع البعض أن هذا الطبق ذات أصول تركية.

و هناك طبق " العصيدة " التي هي من أصل أندلسي و هي عبارة عن " سميد " يطبخ في الماء وعند الاستواء يقدم مع زبدة البقر و يضاف له السكر أيضا، و هو من الأطباق التي تعطى للطفل في الشهور الأولى التي يبدأ فيها الأكل وهو جد صحي . و تجدر الإشارة إلى الأطباق التي تحضر في فصل الربيع و التي لا يخلو منها مطبخ " لمداني ".

ويضاف إلى هذا طبق الكسكس بأنواعه المختلفة " كسكس بالمرقة الحمرة "

" كسكس بالمرقة البيضاء بالخضر " و" كسكس مسفوف بالجلبانة ( البازلاء) و الفول المفور " و الكسكس بالحليب و الكوسة "و هذا الأخير يعتبر كذلك من الأطباق المميزة لسكان المدية و ضواحها وهناك أطباق أخرى تختص بها المنطقة و تحضر في المواسم تسمى " الروينة " و هي عبارة عن قمح يحمص و يطحن ويغربل ثم يضاف إليه السكر و يعجن بالماء على شكل كريات كبيرة الحجم توزع على الجيران و هو ما يسمى "بالمعروف " و على العموم فإن الروينة تحضر خصيصاً في الوعدات التي تقام سنوياً في الأصرحة و قبور الأولياء فتوزع على الزوار لدفع السوء عن صاحبها و عائلته حسب المعتقد الشعبي السائد في المنطقة .

كما يوزعها الأطفال في الكتاتيب القرآنية عندما يختمون حزباً من الأحزاب. و بإعتبار مــدينة المدية من أكثر المدن الجزائرية إنتاجاً للعنب بشتى أنــواعه ( حمر بوعمر، الداتي ، المقراني ، السنسو) و غيرها فإن سكان المدية يقبلون على هاته الفاكهة بنهم و يحضرون المربى و يصنعون "حلوة العنب" التي تستهلك حاصة في الاحتفال برأس السنة الهجرية . إلى جانب "الروب " و هو عبارة عن مربى يحضر بطريقة خاصة ويتم إستهلاكه في فصل الشتاء ليمنح للأطفال خاصة طاقة تقيهم برودة الطقس و حتى الكبار .

و بناء على ما سبق يمكن القول أن منطقة المدية على غرار مناطق الوطن الأخرى لديها أطباق تشترك فيها مع غيرها من المدن كالبغرير و المسمن و المعارك و المثقبة و خبز المطلوع و الطرونية و الغريبية و الشاراك و المقروط و الصامصة ...إلخ نتيجة الاتصال الثقافي و التبادل بينهما و بين جيرانها و أطباق سبق ذكرها آنفاً و التي تختص بها دون غيرها. و تجدر الإشارة في آخر هذا المبحث إلى أن المدية بمدنها و أريافها تمثل ذلك الكل المتكامل من العادات و التقاليد و العرف و القيم و المعتقدات.

التي بدأت مع الأسف تزول العجائز و الأمهات و الجدات اللواتي كن يتفنن في صنع هذه الأكلات و حلت محلها البيتزا و الكوكى و الهمبوغر و غيها و لهذا التغيير أسبابه و هذه من سمات عصر السرعة حيث أن البيتزا مثلاً يستغرق تحضرها نصف ساعة في حين أن العصبان يستغرق تحضيره ساعات من غسل الدوارة إلى تقطيعها إلى مزجها بالتوابل التي تخيط الكرشة و من ثم طهيها يضاف إليها السعر المرتفع للدوارة التي لم يعد بإمكان المواطن العادي اقتنائها و أصبح المواطن اللمداني المتوسط الحال ينتظر عيد الأضحى المبارك ليتذوق حبة " عصبان " و يتذكر أيام زمان.

اشحال تعجبني الماكلة المدانية........مممممممممممممممممممم